الانقلاب الذكوري
ان من الاشياء المميزة في القرن العشرين انه اصبحت الحركات النسوية قوية جدا للمطالبة بحقوقها في المساوة ، الحياة ، اتخاذ القرارات ، العمل والخروج من عباءة الرجل التي بدل ان يجعل تلك العباءة لحماية المرأة وصونها وتقديرها استعملها لطمس دورها وتسخيرها لخدمته وجعلها شيء من حاجياته . فالرجل استعمل سلطته على الانثى بشكل مسرف ومجحف ، وبدل ان يكون السند والصدر الحنون، اصبح الدكتاتور! الذي لا يمكن الثور عليه وقد خلق الرجل الكثير من الحجج ليمارس دوره الدكتاتوري .
بالمقابل هناك اصوات ترتفع للمساوة واخذ الحقوق . صدقا اقول ان بعض الاصوات اصبحت ساذجة وشعارات فارغة لا قيمة لها وحرفت المساوة عن اصولها وحقوقها. وهذا لا يعني اني ضد المساوة ؛ بلى انا معها ولكن بشكل عقلاني ومنطقي ، فعندما نريد ان نطبق المساوة يجب ان نساوي بين الحقوق والواجبات ، ويجب ان يتساوى ذلك في المصاريف والانفاق كل حسب حاجته .
ففي مجتمعات الشرق نجد الرجل مكلف بكل مصاريف الزواج والمهر والبيت بينما يتم الطلب بالمساوة في قرارات وفرص العمل ، وهذا اجحاف وظلم لان هناك عدم مساوة في المسؤولية هنا ، فاذا كنا جادين في المساوة الشاملة يجب المساوة في كل شيء لتحقق العدالة ولا يظلم طرف على حساب طرف اخر وبهذا يمكن ان نقول اننا حصلنا على مساوة .
بين الحينة والاخرة نجد كلام يقال عن ظلم الدين الفلاني للمراة ، وانه سلبها حقوقها . بينما كانت المرأة قبل ذلك تعبد وتقدس ؛ وهذا اجحاف بحق الاديان بكل صراحة لعدة اسباب :
1. اولها الوضع الاقتصادي والمادي : فالاقتصاد هو عصب الحياة وبه تتحقق المطالب وترتب الاولويات ، في المجتمعات التي انطلق منها الاديان في ذلك الوقت لم يكن الوضع كما هو اليوم ، فلم يكن هنالك الات ولا معامل ، وكانت الحروب منتشرة في كل مكان ، فلا تخلو بقعة من الارض من الحروب سواء بين جيوش ضخمة او عصابات هنا وهناك وهذا الذي جعل فرص عمل الأنثى اقل من الرجل ، ولكنها كنت متواجدة في الحصاد والزراعة والتجارة .
2. السبب الاخر هو: تقديس المرأة او انقلاب الاله من الانثى الى رجل ، فالذي يتهم الاديان الحالية بذلك هو جاهل بالتاريخ بكل ماتعني الكلمة من معنى .
فانقلاب العبادة من الانثى الى الرجل وخلق مجتمع ذكوري كما يقال يعود لأديان قديمة لم تعد موجودة! فنحن نتحدث عن انقلاب حدث قبل 4000 سنة قبل الميلاد ، وبالأخص في ميزوبوتاميا عندما تبلورت الحضارة في المدن السومرية ونجد ذلك في اسطورة التكوين السومرية حيث الآلهة الام نموالتي مثلت المياه المظلمة ، وكيف انها أنجبت الإله نمو ولدين "آن" إله السماء المذكر، و"كي" آلهة الأرض المؤنثة وكانا ملتصقين ببعضهما وبأمهما "نمو". ومن ثم تزوج "آن" من "كي" وأنجبا "إنليل" إله الهواء الذكر الذي خلق بعدها الكون.
كما نجد ذلك في صورة التكوين البابلية التي هي مأخوذا من السومرية وصراع الاله مردوخ الذكر مع تيامات الاله المؤنث وفي كلاهما ينتصر الذكر .
كما نجد في اسطورة سومرية اخرة دليل واضح لهذا الانقلاب الذكوري فقد كان نهر دجلة يرمز للآلهة الام التي كان رمزها القمر وتعرف باسم اين- زو عين الضوء او سيدة المعرفة ، بينما نهر الفرات كان يرمز لآلهة ذكورية وكان يسمى برات وكان رمزه الشمس التي تسمى بار ونجد ، وفي ترنيمة تعود للاله انكي نجده يقول :
بعد ان حول انكي نظره
عن جميع هذه الاماكن
وعندما وجه انكي الموقر نظهره الى فرات
رفع قامته وكأنه ثور متلهف
نصب قضيبه ودفق منيه
فملاء النهر بالماء المتلألئ
كما لوان النهر كبقرة في المراعي
تخور من اجل عجلها الذي بقي بالحظيرة
ثم خضع له نهر الدجلة بعد ذلك
كما يخضع لثور متلهف
وبهذا نجد ان انقلاب المجتمع الذكوري لا يمت للأديان الحالية بأية صلة بل هو اقدم من كل الأديان الموجودة حاليا.
تاليف : سيبان حسين ابراهيم